أمين الدوبلي (أبوظبي)
إذا أردنا أن نرسم صورة للتسامح فلن نجد أجمل من ملاعب الرياضة لتقدم لنا لوحات استثنائية عنوانها الحب والتلاحم والصداقة والوفاء.. هنا فوق أرض الخير والعطاء تذوب الجنسيات واللغات والديانات والألوان لتكتمل ملامح الصورة التي تبهر العالم كل يوم.
ومنذ قيام الدولة في الثاني من ديسمبر عام 1971 تحولت الإمارات إلى حضن دافئ لكل الرياضيين الذين يبحثون عن أحلام جديدة لتحقيقها، بالإضافة إلى استضافة أهم الأحداث الرياضية، ليس فقط في كرة القدم، حيث استضافت الدولة كأس العالم للشباب، وكأس العالم للناشئين، وكأس العالم للأندية في 4 نسخ مختلفة، ولكن في الألعاب كافة، فالتسامح هنا أسلوب حياة يربط الجميع في حب الوطن.
وباتت الإمارات أرض المبادرات وقبلة المبدعين في «الفورمولا -1»، وفي الجو جيتسو، وفي السباقات الجوية، وفي الرجل الحديدي والسباحة والزوارق السريعة، وألعاب القوى والرماية والفروسية وقفز الحواجز والتنس الأرضي.
وأبهى معاني التسامح أن تكون وطناً للجميع، ففي الرياضة لدينا لاعبون وإداريون ومدربون وحكام وخبراء وأطباء في الأجهزة الطبية من 118 دولة في كل الرياضات والفعاليات، رياضات الأسوياء وأصحاب الهمم على السواء، أعدادهم من الصعب إحصاؤها، ولكنهم عشرات الآلاف، بالإضافة إلى استضافة مقرات الاتحادات القارية مثل الجو جيتسو والملاكمة.
اكد عبدالمحسن الدوسري، الأمين العام المساعد للهيئة العامة للرياضة، الذي يعد أحد أبرز الشهود على نشأة وتطور الحركة الرياضية في الإمارات، أن اختيار عام 2019 عاماً للتسامح تعبير حقيقي عن دور الإمارات في العالم ليس في مجال الرياضة فحسب، ولكن في كل المجالات، مشيراً إلى أن أرض زايد الخير كانت شاهدة على الكثير من الأحداث والمؤتمرات والبطولات واللقاءات الاجتماعات التي ساهمت في تجسيد كل معاني التسامح، وأن إيمان الجميع بسمو أهداف قادة ومسؤولي دولة الإمارات جعلها وجهة مفضلة لهم كي يجلسوا معاً ويتسابقوا معاً بشرف، ويجتمعوا ليناقشوا آفاق التطور أيضاً، وكانت هي النداء الذي يدعو الجميع لترك الخلافات خلف الظهور والنظر إلى المستقبل والأمام.
وقال الدوسري: تعلمنا دروس التسامح من قادتنا سواء كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، أو من قبل صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، ويضرب لنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كل يوم، المثل والقدوة في تجسيد معاني العطاء والمودة والسلام والتسامح والتسامي أيضاً، وبالتالي لم يكن غريباً علينا، ونحن المسؤولين عن الرياضة في الدولة، أن نسير على نفس النهج، ونطبق نفس المبادئ، ونترجم توجيهات قادتنا.
وتابع الدوسري: في بطولات الخليج قضت كل منتخبات المنطقة أفضل أوقات الأخوة والتسامح هنا، وفي بطولة آسيا كانت الإمارات وستبقى رمز التسامح والتسامي والعطاء، وبعيداً عن ذلك أصبحت الإمارات هي الجهة المفضلة لعدد من «ديربيات» الأندية العربية مثل «كلاسيكو» مصر الذي يجمع بين الأهلي والزمالك، و«كلاسيكو» السودان الذي يجمع بين الهلال والمريخ، بالإضافة إلى لقاءات «الكلاسيكو» الإماراتي المغربي، وكلها تدل على أن الإمارات تبقى الوطن الثاني للجميع، والأرض التي تهفو إليها كل القلوب. وأضاف: بعيداً عن استضافة البطولات والاجتماعات والمنتديات والمؤتمرات، كانت ولا تزال الإمارات هي أفضل منصة لتكريم رواد التميز والإبداع في كل الرياضات، ولا تسأل عن جنسية الفائز أو ديانته، بل بالعكس توفر الدافع والحافز للجميع على مواصلة العطاء، بمن في ذلك الإعلاميون الذين تبقى جائزة الصحافة العربية أفضل وسام لهم في كل عام.
وأضاف الدوسري: منذ وجودي في مجال الرياضة وأنا أتعامل مع كل الجنسيات في العالم، كلهم يقيمون هنا بيننا، وكلهم يحصلون على حقوقهم وكأنهم من أبناء الدولة، يحبون الإمارات مثل بلادهم وربما أكثر، ودعت الكثيرين منهم وهم عائدون لبلادهم، كلهم يودعون الإمارات بالدموع، ويشعرون دائماً بالحنين إليها فيرغبون في الحضور مجدداً، ونحن على تواصل دائم معهم لأنهم معنا دائماً، ونحن معهم حتى لو انتهت مهمتهم في العمل ووصلوا إلى سن التقاعد.
الهولندي فيرسلاين: كلنا أبناء الإمارات
الهولندي يان فيرسلاين، المدرب العام لكرة القدم في نادي الجزيرة، اكتشف عشقه للإمارات منذ أكثر من 13 عاماً، حينما جاء إليها مديراً فنياً للفريق الأول في نادي الجزيرة، ارتبط وجدانياً بهذه الأرض، وقاد الفريق الأول نجح معه مرات، ولم يحالفه التوفيق في مرات، ترك النادي بعد عامين وذهب إلى أستراليا ليخوض تجربة مهمة مع المنتخب الأسترالي للشباب، نجح فيها وقدم الجديد، لكن قلبه كان في الإمارات التي اشترى فيها بيتاً وكان دائم التردد عليه، لم تنقطع زياراته، سواء وهو في أستراليا، أو بعد عودته إلى هولندا للعمل بها فترة من الزمن.
يان فيرسلاين يعتبر نفسه إماراتياً فكراً وعملاً ووفاءً، يعمل ما يحب، بسيط لا يتكلف، عاد إلى الجزيرة من باب أكاديميتها ليشرف عليها قبل 5 سنوات، لم يتردد أو يراجع نفسه في قبول المهمة كمسؤول عن الأكاديمية بعد أن كان الرجل الأول كمدير فني، قام بالمهمة لفترة، ثم شعر أن فترته انتهت، فانسحب بهدوء تاركاً رصيداً من الاحترام والتقدير لدى كل مسؤولي النادي، لم يترك أبوظبي بل بقي على صلة قوية بها، يذهب ويعود إلى بيته، وعندما شعر بأن نادي الجزيرة بحاجة إليه في منصب المدرب العام لم يتردد أبداً في قبول المسؤولية. يقول فيرسلاين: عندما أرى طريقة تعامل الأجانب في هذه الدولة أشعر بالمزيد من التقدير لها، فهم ليسوا أجانب ولا وافدين، هم جزء من النسيج، لا فرق بينهم وبين أبناء البلد، ومن هنا فكلنا أبناء الإمارات، وكلنا سعداء بذلك.
سيلفا: أبوظبي منحتني الشهرة والمجد
يقول البرازيلي إيجور سيلفا أفضل لاعب جو جيتسو حزام أسود في العالم عام 2017 والذي يعمل مدرباً حالياً بالدولة، إنه يعتبر السنوات التي يقضيها هنا في أبوظبي الأجمل في حياته لأنه متفرغ لممارسة الرياضة التي يحبها، لاعباً ومدرباً، وأكد أنه يجد هنا أفضل بيئة لتنمية قدراته وقيادة اللاعبين لصناعة أبطال جدد، وأشار إلى أن الإمارات لها فضل ليس عليه وحده ولكن على أسرته التي تعيش معه أيضاً، وأنها أهدته أجمل لحظة في حياته وهي لحظة التتويج بلقب الأفضل في العالم في أبريل من هذا العام، بأجواء أسطورية لم يتخيلها، وأنها كل يوم تهديه مشاعر الاطمئنان والراحة والأمل في مستقبل مشرق، كما أن أبناءه يتعلمون هنا في مدارسها، ويشعرون بأنهم من هذه الأرض، وتلك هي أسمى معاني التسامح. وقال:«يكفيني أن أرى كل يوم ابتسامة أبناء هذه الأرض وأجد منهم كل الدعم في مسيرتي، وكل التشجيع للوصول إلى إنجاز جديد كل يوم فوق أرض الأحلام والفرص الجديدة».وأضاف إيجور: سمعت كل زملائي اللاعبين والمدربين يتحدثون عن الإمارات منذ عشر سنوات، وتمنيت أن أكون معهم، وبالفعل أتيت إلى هنا ووجدت الواقع أفضل من كل ما تمنيته، شكراً للإمارات للقيادة والحكومة والشعب، شكراً من القلب لوطن التسامح وأرض السلام والمحبة، كل زملائي في البرازيل يتمنون أن يأتوا إلى هنا، لأننا جميعاً تحولنا إلى سفراء لهذه الدولة في بلادنا وفي كل البلاد التي نسافر إليها.
في أرض زايد.. «كلهم يستحقون الحياة»
يقول طلال الهاشمي، المدير الوطني للأوليمبياد الخاص، إن رعاية ودعم الإمارات لم يقتصر فقط على اللاعبين الأسوياء، لكنه يتخطى ذلك إلى أصحاب الهمم، وإن الإمارات الأولى في العالم التي رفضت اسم المعاقين وأطلقت بقرار حكومي عليهم اسم «أصحاب الهمم».
وقال الهاشمي: دورة الألعاب العالمية للأوليمبياد الخاص «أبوظبي 2019» أكبر مظلة للتسامح في العالم، فيها سيتم الاحتفاء بأصحاب الهمم من ذوي الإعاقات الذهنية من 192 دولة على أرض الإمارات، وفيها سنسعى بكل ما نملك من قوة لرسم الابتسامة على وجوههم، وفيها سوف نجسد أبهى معاني التسامح والإنسانية دون النظر للون أو العرق أو الدين، كلهم يستحقون الحياة، ونؤمن بأنهم جميعاً إخوة في الإنسانية.
ويؤكد طلال الهاشمي: عندما نذهب إلى أميركا نجد الإمارات هناك، نجد دعم دولتنا لمرضى السرطان، ونتابع الماراثون الذي يقام سنوياً هناك لهذه الفئة، نجد كلمات الدفء ومشاعر الوفاء من الأجانب لنا وتقديرهم البالغ لقادتنا ومسؤولينا، وفي مصر أيضاً تقيم دولة الإمارات ماراثوناً آخر يخصص دخله للأعمال الخيرية وريعه لمستشفى السرطان لتخفيف آلام المحتاجين، وفي السودان والأردن والكثير من الدول العربية والآسيوية والعالمية نقيم مسابقاتنا لتسعد الإمارات كل الأجناس، مهما كانت ألوانهم أو أشكالهم أو أديانهم.
ويضيف: جاء قرار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بالسماح لأبناء المقيمين ومواليد الدولة والمواطنات بالمشاركة في البطولات والمسابقات المحلية ليعطي درساً آخر في التسامح، ويمنح الفرصة لهؤلاء الشركاء بأن يكونوا جزءاً من رياضتنا، لا فرق بينهم جميعاً وبين أبناء دولة الإمارات، وتلك هي قمة التسامح، وقمة الإنسانية.